Thursday , 28 March - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

أخوان نافع وأخوان الشيطان

بقلم بابكر فيصل بابكر
[email protected]

إن كانت هناك صفة واحدة مُمِّيزة للقيادي بحزب المؤتمر الوطني الدكتور “نافع علي نافع” فهى أنهُ يُعبِّر بصدقٍ شديد عن رؤية حزبه الحقيقية “للآخر” المُتمثل في الأحزاب السياسية المعارضة، بالإضافة إلى بيانه الناصع ( على طريقة هات من الآخر عند الإخوة المصريين ) حول طبيعة الحوار الذي تقوده الحكومة.

نقلت صحيفة “الجريدة” عن نافع قوله لدي مخاطبته جمع من أبناء منطقة كبوشية بنهر النيل : (واهمٌ من يعتقد أننا بعد 25 عاماً من الحكم سنعمل على تفكيك مسامير النظام ونضعها في طاولة بقاعة الصداقة للحوار مع العلمانيين وأخوان الشيطان). وأكد ( تمايز صفوف المعارضة في حد ذاتها ما بين تيارات تدعم الإسلام والإسلام السياسي والعلمانيين وأخوان الشيطان).

حديث الدكتور نافع عن تمايز الصفوف بين القوى السياسية ليس وليد أفكاره أو رؤاه الشخصية، ولكنه تعبيرٌ عن فكرة راسخة لدى تيارات “الإسلام السياسي” بمختلف مسمياتها، فكرة “مانوية” تقسِّم الكون إلى فسطاطين، أحدهما – بحسب أصحاب الفكرة – مُعسكر الحق المطلق المسنود “بالعناية الإلهية”، والآخر تجمع الشر المطلق المدعوم “بضلال أبليس”.

هذه الفكرة يتمُّ التعبير عنها في أرض الواقع بمُمارساتٍ تتفاوت في درجاتها ولكنها تتفق في “نوعها”، فبينما لا يجدُ قادة تنظيمات مثل القاعدة وداعش وطالبان حرجاً في “ذبح” المُخالفين من أتباع “تجمع الشر” بأيديهم على شاشات التلفاز، فإنَّ آخرين “أكثرُ ذكاءاً” يعمدون لتجييش جموع العوام والبُسطاء وأصحاب العاطفة الدينية القوية لمحاربة أصحاب “فسطاط إبليس” وعزلهم وتخوينهم وقتلهم بالإنابة عنهم.

من يتربى على مثل هذه الفكرة “الإقصائية” لا يُمكنهُ أن يقبل رأياً مُختلفاً حتى لو جاء من داخل فسطاط الإيمان المزعوم، دعك من قبوله لرأي المخالفين من خارجه، وهو الأمر الذي يُفسِّر رفض نافع القاطع “لتفكيك مسامير” النظام حتى لو كان ذلك في مصلحة “الوطن” ذلك أنَّ مصلحة “أخوان” نافع تعلو على مصلحة الوطن.

“إخوان الشيطان”هؤلاء لم يُنادوا بالمستحيل، ولكنهم تقدموا بمطالب مشروعة لا تستطيع أية جهة مُنصفة أن ترفضها : إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، إتاحة الحُريات العامة وحرية الصحافة، تشكيل حكومة إنتقالية تُجيز الدستور و تُشرف على قيام الإنتخابات.

ليس من أغراض هذا المقال تفنيد خطل وتهافت فكرة “الفسطاطين” فهى في الأساس فكرة تُستخدم لخدمة أغراض “سياسية” ليست لها علاقة “بالدين”، ولو لم تكن كذلك فما الذي يُفسِّر تضمين “الترابي” في مُعسكر “الإيمان” والرُّجل وحزبه ما زالوا حتى اليوم أعضاءً في معسكر “إخوان الشيطان” – قوى الإجماع الوطني. ولكنني معنىٌ هنا بمناقشة الجزء الأخير من حديث نافع والذي وصف فيه حزبه بأنه ( الحزب الأقوى في العالم من حيث التنظيم والقواعد، مطالباً قواعد الحزب بعدم الالتفات لضعفاء النفوس داخل الحزب ).

لا أدري ما هو معيار “القوة” الذي إستند إليه نافع في تصنيف حزبه كأقوى حزب في العالم، ولكن إذا كان ذلك المعيار هو إستمرار الحزب في السُّلطة لربع قرن من الزمان فهو معيارٌ “بائس” لأنَّ البقاء في الحكم لمُدَّة طويلة في ظل نظام “دكتاتوري” يعتمدُ في المقام الأول على قوة أجهزة الدولة “الباطشة” وليس قوة الحزب.
ولو كان هذا المعيارُ سليماً إذاً لاعتبرنا حزب البعث العراقي أيام صدام، أو الحزب الوطني في مصر أيام حسني مبارك أقوى الأحزاب في العالم لأنها سيطرت على الحكم لفترات أطول من حزب نافع، ولكن اين هى تلك الأحزاب الآن ؟ بمُجرَّد سقوط الأنظمة الحاكمة “تلاشت” تلك الاحزاب وكأنها لم توجد في يوم من الأيام.
إنَّ معيار قوة الحزب الحقيقي – لا يتمثل في قدرته التنظيمية – بل يتمثلُ في تقديمه “لبرامج” مُقنعة للناخبين، ليس هذا فحسب وإنما أيضاً قدرته على تطبيق تلك البرامج وتحويلها “لإنجازات” ملموسة عندما يستلم السلطة، فأين هو حزب نافع من هذا المعيار ؟

لقد تحوَّل السودان في ظل حكم حزب نافع “الأقوى في العالم” إلى دولة “فاشلة” تمزقها الحروب الداخلية وتنتشرُ فيها النزاعات القبلية بصورة غير مسبوقة. ومن المفارقات المضحكة/المُبكية في آنٍ واحد أنَّ أحد أمثلة فشل الدولة يُجسِّده عضو حزب نافع ونائبه في البرلمان “موسى هلال” الذي إقتطعَ جزءاً من أراضي البلد “بقوة السلاح” وأقام فيه “دولة” داخل الدولة دون أن يُحرِّك الحزب “الأقوى في العالم” ساكناً !!
في ظل حُكم حزب نافع، إعتاد السودان – في كل عام – أن يتذيل دول العالم من حيث مؤشرات التنمية البشرية والفساد والحُريات والإختراع وغيرها من المؤشرات التي تعكس حقائق الأحوال في البلد المُعيَّن.

في ظل حُكم حزب نافع “القوي” أصبحت “الهجرة” من البلد هى الحُلم المُشترك للشباب والشيوخ والنساء، وحتى الأطفال القُصَّر، يُجازفون بأرواحهم ويموتون عطشاً في صحراء “ليبيا” و يُطلق عليهم الرصاص على حدود “إسرائيل”، وتغرقهم مراكب تهريب البشر في “المحيط الهادىء”، يفرِّون “بجلودهم” من جحيم الفاقة والعطالة والحرمان في “الوطن” الذي حكمهُ حزب نافع لأطول فترة زمنية منذ مجىء الإستقلال الوطني.

حزب نافع الذي يدَّعي تمثيل “معسكر الإيمان” يُكافح الفساد بقانون “التحلل” الذي يُعاقب “المُجرم” بإسترداد أصل المبلغ المسروق فقط ومن ثم يتركهُ يعود لممارسة حياته الطبيعية بكل حُريَّة وكأنَّ شيئاً لم يكن، ترى هل هذا قانون للردع أم هو دعوة مفتوحة للفساد و السرقة والإختلاس ؟

في ظل حُكم حزب نافع أضحى السودان مثل طبقة “شودرا” الهندية – بلداً منبوذاً معزولاً تعجز مؤسساته المالية عن فتح “إعتمادات مستندية” بأقل المبالغ، حزبٌ يبرعُ في إضطهاد المُعارضين وملاحقتهم وتخوينهم “وينبطح” للدول الغربية وأمريكا ويسنُّ القوانين التي تسمح للأخيرة بتفتيش المصارف السودانية في سابقة غير معهودة تحت مسمى “الواقعية” السياسية !!

في ظل حكم حزب نافع إرتفعت معدلات الجريمة بصورة غير مسبوقة وتبدَّلت الأخلاق، وتراجع موروث القيم بسبب الفقر والعوز والتفاوت الطبقي، صورة أبدع الشاعر “عالم عباس” في رسمها بكلماته المُعبِّرة :
( من أين جاءت هذه الديدانُ ناهشة، لناخرِ عظمها أو ما تبقي منهُ، ما اكتنزتهُ يومَ اليُسرِ للعُسرِ الذي يمتدُّ جيلاً بعد جيل ؟ إرثاً من الأخلاق، والنُبلِ المُضاعفِ نسجهُ، وحلاوةُ الأيثار، نجدةُ مُستغيثِ الليَّل، والمُستصرخِ الملهوف، ستر نسائنا، وحماية الجار البعيد. تباً لهم، تباً لناً. من أيِّ لعنات السَّماء وسخطها حلّت بنا ؟ صار الفخارُ العار، صار العارُ غاراً، ثم أُبدلت المَكارِمُ خسَّة، أضحي التنافُسُ جرأةً في هتكِ عرض الجار أقرب ما يكون، وأكلُ مال السُّحتِ من أفواهِ أطفالٍ تهاووا في المجاعاتِ التي تمَّت مُتاجرة بها، متسوَّل يفتّنُ في إبراز عاهتهِ ليستجدي الفُضول ).

حزب نافع الذي تبنى نهج الإعتماد على الذات قبل ربع قرن والذي ترجمهُ في الشعار المعروف “نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع”، إنتهى به المطاف إلى فشل غير مسبوق في تاريخ السودان الحديث في هذا المجال، وتحوَّل ذلك الشعار إلى “نأكل ونلبس مما تزرع وتصنع الصين”. الأرقام – يا دكتور نافع – تقول أنَّ 85 % من إستهلاك السودان من القمح ( يستهلك السودان حوالى 2.2 مليون طن سنوياً ) يتم إستيرادهُ من الخارج !!

في ظل حُكم حزب نافع بُعثت عصبية القبيلة “المنتنة” بصورة مُخيفة، تلك الظاهرة التي كانت قد بدأت بالتلاشي بفضل تنامى مظاهر الإنصهار القومي والتكامل الوطني، منذ أن رفض الثائر الكبير “على عبد اللطيف” – قبل تسعين عاماً – الإجابة عن سؤال المحقق البريطاني حول القبيلة التي ينتمي إليها، ومنذ أن تغنى مصطفى التني ب “في الفؤاد ترعاهُ العناية” ( نحنا للقومية النبيلة، ما بندور عصبية القبيلة، تربي فينا ضغائن وبيلة، تزيد مصايب الوطن العزيز).

ختاماً نقول للدكتور نافع : أنَّ البلاد قد دخلت في نفقٍ مظلمٍ وهى الآن تقِفُ على شفير الهاوية ومن الأجدى أن تتغيَّر نظرة أهل الحكم للقضايا السياسية وللمعارضين حتى يتمكن الكل من إيجاد حل للأزمة الخانقة التي ستعصفُ بنا جميعاً، فحينها لن يَجِدَ حزبكم “القوى المؤمن” بلداً أو شعباً يحكمهُ.

Leave a Reply

Your email address will not be published.