Friday , 29 March - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

توحيد التعليم القانوني – 4 (الحلقة الأخيرة)

د. فيصل عبدالرحمن على طه
د. فيصل عبدالرحمن على طه
بقلم دكتور فيصل عبدالرحمن علي طه


التدريب العملي لخريجي مؤسسات التعليم القانوني

بالرغم من أن صلاحيات اللجنة لم تذكر صراحة أمر التدريب العملي لخريجي كليات القانون إلا أن اللجنة – اقتناعاً منها بضرورة ربط التأهيل الاكاديمي باحتياجات التطبيق العملي – رأت أن تتناول مثالب طرائق التدريب القائمة واقتراح بديل لها.

1- ازدواجية الطريقة المتبعة حالياً

الطريقة المتبعة للتأهيل لمهنة المحاماة هي أن يقضي المتدرب عاماً كاملاً في التدريب العملي بأن يلتحق بمكتب أحد قدامى المحامين الذي قضوا بالمهنة فترة زمنية محددة بشرط أن يكون حاصلاً على شهادة جامعية في القانون وشهادة اخرى باجتياز امتحان تنظيم مهنة القانون. أما بالنسبة للذين يودون الالتحاق بالهيئة القضائية أو ديوان النائب العام كمساعدين قضائيين أو مساعدين قانونيين، فيتم تعيينهم بعد اجتيازهم لامتحان تنظيم مهنة القانون، ويتم تدريبهم بعد ذلك. ولا يتخذ هذا التدريب نهجاً معيناً ولا يتقيد بفترة زمنية محددة، إنما يخضع في احيان كثيرة إلى حاجة المخدمين العاجلة لعمل هؤلاء القانونيين. ومن ناحية المحتوى فإنه لا يقتصر على التدريب العملي إنما يشمل أيضاً التأهيل النظري في شكل محاضرات تلقى مما يعتبر تكراراً للدراسة الجامعية.

2- التدريب العملي ليس شرطاً مسبقاً للتعيين في وظيفة المساعد القضائي أو المساعد القانوني

يتضح مما سبق ذكره أن التدريب العملي ليس شرطاً للالتحاق بالهيئة القضائية أو ديوان النائب العام حيث يتم تعيين المساعد القضائي أو المساعد القانوني من بين خريجي كليات الحقوق الذين اجتازوا امتحان تنظيم مهنة القانون دون أن يصحب ذلك أي مؤهل آخر في التدريب العملي. ويقتصر التدريب الذي يتلقاه المساعد القضائي والقانوني عادة على محاضرات في بعض مواد القانون ثم حضور جلسات المحاكم. يلحقون بعد ذلك بالقلم الكتابي وتسجيلات الاراضي ومكتب المعلنين والتعرف على طبيعة عمل الاقسام المختلفة بديوان النائب العام. ولا يحصل المتدرب على التدريب العملي الحقيقي إلا كجزء من عمله وعلى حساب ذلك العمل.

إن التدريب الذي يتلقاه المتدرب لا يشمل كافة المواد العملية والتطبيقية التي تكسبه المهارات التي تعينه على أداء رسالته. ومع قصور مستوى التدريب فليس من السهولة فصل من يكون دون المستوى في نهاية الفترة التدريبية لان ذلك لا يتم إلا بموجب قرار جمهوري (المادة 16 من قانون الهيئة القضائية لسنة 1973م).

3- قصور التدريب لمهنة المحاماة
إن التدريب المطلوب للقانوني لتأهيله للعمل في مهنة المحاماة لا يؤدي على الوجه الاكمل لاسباب عدة منها:
أ- ضيق مكاتب المحامين يجعل قبولهم لتدريب الخريجين معهم أمراً صعباً.
ب- قبول المحامي لاحد المتدربين بمكتبه عبء دون مقابل لا يتقبله المحامي عادة إلا لإعتبارات شخصية.
ج- لا يجد المتدرب التدريب المطلوب الذي يؤهله للعمل مستقبلاً كمحام مستقل، حيث ينحصر عمله في معظم الاحيان على الاطلاع على الملفات.

4- رأي اللجنة
ترى اللجنة أن توحيد التأهيل العملي وسلامة طرائقه وضبط محتواه لا يكون إلا بقيام معهد للتدريب يؤمه كل من يرغب في الالتحاق بأي من فروع مهنة القانون وتوصي اللجنة بأن تكون مدة الدراسة في هذا المعهد عاماً كاملاً يدرس الطلاب خلاله المواد العملية والتطبيقية على ان يصبح إجتياز الامتحان الذي يعقده المعهد في نهاية العام هو المؤهل للتنافس للإلتحاق بالهيئة القضائية أو ديوان النائب العام أو مزاولة مهنة المحاماة.

تذكر اللجنة هنا أن إزالة كل أوجه الفرق والاختلاف بين مؤسسات التعليم القانوني في السودان وقيام معهد لتدريب القانونيين يعني بالضرورة إلغاء إمتحان مهنة القانون بالنسبة لخريجي هذه المؤسسات والإبقاء على الامتحان بالنسبة لحملة درجات القانون من الخارج وسيكون اجتياز الامتحان هو شرط التحاق هذه الفئة بمعهد التدريب.
تشير اللجنة إلى أنها حذفت من مواد فترة التأهيل الاكاديمي كل المواد ذات الصبغة العملية التي سيوكل أمر تدريسها لمعهد التدريب المقترح. تشير اللجنة أيضاً إلى أن المرحوم الدكتور زكي مصطفى النائب العام الأسبق كان قد أعد مذكرة عن تدريب القانونيين وهذه المذكرة الان موضع الدراسة من قبل مجلس تنظيم مهنة القانون. سنقتطف من هذه المذكرة الفقرتين التاليتين:

أهداف التدريب القانوني

أولاً: ضمان مستوى من المعرفة الفنية والاداء المهني المنضبط بالمثل والاخلاق يضمن للقانوني فرص الاستمرار بشكل يحقق له قدراً معقولاً من النجاح ويؤمن للمهنة مستوى طيباً.
ثانياً: حماية حقوق الافراد الذين يتعاملون مع القانونيين وضمان توفير المناخ اللازم لتحقيق العدالة التي كانت باستمرار تمثل أحد الاعمال المحببة لكل انسان وتمثل إحدى أهم الركائز التي يقوم عليها كل نظام للحكم.
ثالثاً: الارتقاء بالنظام القانوني نفسه عن طريق توفير المناخ الملائم للتطبيق السليم والتكييف المستمر لما يجد من ظروف وملابسات.


التدريب المهني والتعليم المستمر

لقيام نظام محدد للتدريب المهني لخريجي كليات الحقوق بالسودان والتعليم المستمر للعاملين في مجال القانون، اقترح الاستاذ زكي (عليه رحمه الله) الآتي:

1- إنشاء معهد للتدريب تكون له مهام ثلاث:
أ- تقوية التدريب الأكاديمي لخريجي كليات الحقوق المختلفة وتكييف المعرفة الأكاديمية لاولئك الخريجين وإعادة صياغتها بالصورة التي تجعلها أكثر ملائمة لمقتضيات التطبيق العملي وأكثر تلبية لاحتياجات المهنة.
ب- تبني فكرة التدريب المهني المستمر لجميع العاملين في مهنة القانون.
ج- الاهتمام بالتراث القانوني المحلي وتشجيع دراسته والعمل لتنقيحه وتنقيته.
تكون مدة الدراسة في هذا المعهد سنة كاملة وان توضع له مناهج ومقررات تشمل الجوانب النظرية والتطبيقية للقانون وان يقوم بالتدريس فيه كبار القانونيين المشهود لهم بالعلم والخبرة.

2- مراجعة قانون تنظيم مهنة القانون وقانون المحاماة لجعل التدريب المنتظم شرطاً أساسياً ليس فقط للالتحاق بالمهنة وإنما للاستمرار فيها أيضاً.

3- عقد دوارت تدريب منتظمة للعاملين في حقل القانون في مختلف المستويات والمواقع على أن يتولى مسئولية هذه الدورات الهيئة القضائية وديوان النائب العام ونقابة المحامين. ويمكن لهؤلاء بالطبع الاستعانة بكليات الحقوق الموجودة في الخرطوم.

4- تحديد السياسة التي يجب أن تتبع بشأن التأهيل القانوني الاكاديمي تحديداً واضحاً يضمن مستوى معقولاً من المعرفة الأكاديمية ويهدف إلى خدمة أغراض مهنة القانون وترقيتها. ويلزمنا في هذا الصدد أن نلقي نظرة فاحصة مدققة في ما يجري في كليات الحقوق الثلاث الموجودة الآن لتحديد ما بينها من تباين في شروط الدخول وطبيعة ومحتوى المناهج والمقررات ونظام الامتحانات….. الخ.

إن أهمية التدريب للقانونيين تدريباً عالياً نابع من ايمان بمسئولية الدولة عن توفير العدالة للمواطنين وضمانها لهم في جميع المستويات وتحت كل الظروف. وغني عن الذكر أن أهم ركيزة في هذا هي القضاة الذين يتسمون بالعلم والشجاعة والامانة.

هوامش ختامية

1- عندما أُعد تقرير لجنة توحيد التعليم القانوني في نوفمبر 1976 كانت هناك ثلاث كليات قانون وثلاثتها كانت بالعاصمة المثلثة وعلى مرمى حجر من بعضها البعض. وكانت تتباين في شروط القبول وفي المناهج التي تدرس. تنتشر الآن في ولايات السودان المختلفة حوالي 30 كلية قانون نظامية. ولا يُعلم الكثير عن هيئات تدريسها ومحتوى مناهجها ومكتباتها وطبيعة ومستوى المعرفة القانونية التي يحصل عليها طلاب هذه الكليات. يكفي أن نذكر أنه في دورة فبراير 2015 إجتاز إمتحان تنظيم مهنة القانون 466 طالباً من إجمالي 4420 طالباً.

2- منذ ثمانينيات القرن الماضي تعددت الأصول الفقهية للقوانين الواجبة التطبيق في السودان. نوجز ذلك في النقاط التالية:

(1) بمقتضى قانون أصول الأحكام القضائية لسنة 1983 أصبحت الشريعة الاسلامية هي الأصل الحاكم. وننوه هنا إلى أن المادة 5 (1) من دستور السودان الانتقالي لسنة 2005 تنص على أن تكون الشريعة الاسلامية والاجماع مصدراً للتشريعات التي تُسن على المستوى القومي.

(2) المادة 3 (ب) (خامساً) من قانون أصول الأحكام القضائية لسنة 1983 تسوغ الاسترشاد بما جرت عليه سوابق العمل القضائي في السودان وفق ضوابط محددة. لا خفاء في أن قدراً كبيراً من السوابق القضائية مستلهم من القانون الانجليزي العام. كما استلهم من هذا القانون قانون الكمبيلات لسنة 1917 وقانون الشركات لسنة 1925 وقانون الإفلاس لسنة 1929.

(3) قانون المعاملات المدنية لسنة 1984 مستنبط من القانون المدني الاردني والذي أُخذ بدوره من مجلة الأحكام العدلية وبعض أحكام القانون المدني المصري. وأصل هذا القانون الأخير هو القانون الفرنسي.
فهل تعكس مناهج كليات القانون هذا النظام الهجين وهي الرافد الأساسي للمهن القانونية وبوجه خاص القضاء؟. وهل يؤثر هذا النظام في المحصلة النهائية على تصريف العدالة؟ (لدراسة أوفى يمكن الاطلاع على ورقة الدكتور محمد الفاتح حامد التي تحمل العنوان: أثر تعدد مرجعيات القانون في وضع مناهج كليات القانون: مجلة العدل – العدد الثالث والثلاثون – السنة الثالثة عشرة – أغسطس 2011).

3- إن مناهج كليات القانون الراهنة لا تؤهل طلابها لمواكبة عصر العولمة الذي قلص العالم إلى قرية كونية مما يقضي بأن يكون لذلك تأثير على محتوى ما يدرس من قانون. فتصميم المناهج ينبغي أن يشمل القانون التجاري الدولي والقانون الاقتصادي الدولي والخدمات المصرفية الدولية وعقود البيع الدولي والتحكيم الدولي وغير ذلك كثير. إن إهمال هذا الجانب من التأهيل القانوني الأكاديمي سيفضي إلى الركون بشكل دائم إلى مكاتب الخبرة الاجنبية وما يرتبه ذلك من تكاليف مالية باهظة. وربما يكون من بين أسباب تعثر إنضمام السودان إلى منظمة التجارة العالمية قصور التأهيل القانوني الاكاديمي في هذا المجال. تعتبر منظمة التجارة العالمية القوة الأساسية المحركة للعولمة الاقتصادية. وقد تبوأت هذا الموقع باتساع اختصاصاتها في مجال تنظيم التجارة الدولية وتوفيرها لآلية لتسوية المنازعات. وكذلك بعدد عضويتها التي بلغت 162 عضواً حتى نوفمبر 2015. وتمثل هذه العضوية أكثر من 95 في المائة من حجم التجارة العالمية.

ولا يفوتنا أن نذكر أن لغة التدريس في المجالات سالفة الذكر ينبغي أن تكون اللغة الانجليزية بحسبانها لغة التعامل الأولى.

Leave a Reply

Your email address will not be published.