Friday , 29 March - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

“صحوة” موسى هلال، هل هي أسوأ كابوس يقض مضاجع الحكومة السودانية؟

بقلم المجموعة السودانية للديمقراطية اولا
http://www.arabic.democracyfirstgroup.org/

أصبح موسى هلال شوكة في خاصرة الحكومة السودانية بعد أن كان واحداً من أبرز قادة ميليشيات الجنجويد التي دعمت القوات المسلحة السودانية في حملة التطهير العرقي بدارفور في 2003/2004. وكانت العلاقة المتوترة أصلاً بين هلال والحكومة السودانية قد اتخذت منحى جديداً نحو الأسوأ عندما أمهل متحدث باسم “مجلس الصحوة الثوري السوداني”، الذي يتزعمه هلال، في 24 فبراير 2015 الحكومة السودانية حتى 10 مارس للاستجابة إلى المطالب السياسية للمجلس أو مواجهة عواقب، لم يحددها المتحدث، في حال عدم الاستجابة لهذه المطالب. سبق أن تم إعلان أكثر من مهلة مماثلة ولكن من دون أن تكون هنالك عواقب، وحدث ذلك في الغالب بسبب أن حكومة السودان درجت باستمرار على إبرام صفقات تهدف إلى تحاشي الدخول في مواجهة مع قوات موسى هلال. لكن “مجلس الصحوة الثوري السوداني” قام هذه المرة بتوجيه أتباعه بمقاطعة انتخابات 2015 وعرقلة قيامها في دارفور قبل الوقت المحدد لانقضاء المهلة. وإذا أخذنا في الاعتبار أهمية الانتخابات بالنسبة للآمال التي تعقدها الخرطوم في كسب بعض من الشرعية، فإن الحكومة و”مجلس الصحوة الثوري السوداني” كانا في طريقهما إلى صدام مرتقب لا يستطيع أي منهما تجنّبه بدون أن يفقد ماء وجهه.

ومع اقتراب موعد المهلة المحدد في 10 مارس، أبدت حكومة السودان مجدداً رغبتها في التجاوب. فقد أبلغت المجلس بأنها بصدد إرسال فريق وساطة للقاء موسى هلال. كما أشارت تقارير إعلامية أيضاً إلى استعداد الحكومة لقبول مطالب “مجلس الصحوة الثوري السوداني” والعمل بها شريطة ألا يتدخل المجلس في الانتخابات. وقال متحدث باسم المجلس في وقت لاحق إنه سيسمح بإجراء الانتخابات وينتظر في الوقت نفسه تطبيق الحكومة للوعود التي قطعتها. وفي وقت لاحق أعلن هلال تأييده لترشيح البشير للرئاسة ودعا أتباعه إلى التصويت لحزب المؤتمر الوطني الحاكم. بل ووردت أنباء لم نتمكن من التحقق منها بان عناصر تابعة لموسى هلال سعت لاجبار بعض المواطنين العازفين عن المشاركة في سرف عمرة علي التصويت.

أثار هذا التراجع الدراماتيكي الشكوك في مدى مصداقية موسى هلال ونواياه الحقيقية ومخاوف إزاء المدى الذي من المحتمل أن تذهب إليه الحكومة في احتواء طموحاته السياسية المتزايدة بدون التنازل عن السيطرة المطلقة على سياساتها في دارفور. ويبدو أن العلاقة بين الطرفين يحكمها ما اصطلح على وصفه بـ”شعرة معاوية”، حيث إذا شدّ واحد من الطرفين أرخى الطرف الآخر، وإذا أرخى طرف شدّ الطرف الآخر حتى لا تنقطع. وتدل الشواهد حتى الآن على أن موسى هلال أثبت في هذه اللعبة نوعاً من الحنكة تفوق حنكة حكومة السودان، إذ ظل يشد من جانبه في معظم الأحيان، ويحصل في كل مرة على مكاسب من الحكومة.

تشير تكهنات وسائل الإعلام إلى أن الخيار الأفضل أمام حكومة السودان هو أن تتنازل لموسى هلال وأتباعه عن مواقع رئيسية في الحكومتين الفيدرالية والولائية، بما في ذلك منصب نائب الرئيس ومنصب حاكم ولاية شمال دارفور، الذي لم يخف هلال رغبته في الحصول عليه. كما أبلغت مصادر “المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً” بأن موسى هلال سيضغط باتجاه الحصول على منصب النائب الأول للرئيس من دارفور فضلاً عن ترشيح ثلاثة من حكام دارفور الخمسة ونائبين لهم. وفي لقاء أجرته معه في الآونة الأخيرة شمائل النور، الصحفية بجريدة “التيار”، قال هلال متسائلاً: “لماذا يكون خليفة البشير أما نافع علي نافع أو علي عثمان؟ لماذا لا يكون موسى هلال أو التجاني السيسي؟”. وأضاف هلال قائلاً إنه في الآونة الأخيرة بدأت تراوده أحلام حكم السودان لأول مرة. ويبدو أن هلال قد استخلص درساً من تقاربه مع دوائر السلطة في المركز مفاده أن “الحكومة لا تأبه بأي مطالب سياسية لا تسندها قوة عسكرية”، ويتضح ذلك في مواقف هلال الحالية المتمثلة في الإبقاء على خياره مفتوحاً بدون التعجل في الدخول في صدام مسلح مع الحكومة قبل أوانه.

وفي مقابل التنازلات التي قدمتها لموسى هلال، تريد الحكومة منه أن يقوم بحل ميليشياته، التي يُقدَّر عدد مقاتليها بنحو 3000 رجل. ولعل الحكومة ترغب في دمج أفراد ميليشيات هلال في قوات الدعم السريع، التي تتكون أصلاً من مقاتلي الجنجويد السابقين. وهذا هو السيناريو التي يخشاه نشطاء جماعات حقوق الإنسان والسلام في السودان بسبب العواقب التي ستلقي بظلالها على النزاعات المستمرة والمتشابكة أصلاً في دارفور. يُضاف إلى ما سبق، إن حكومة السودان كانت قد استخدمت موسى هلال بالفعل على اعتبار انه يمثل ثقلاً موازياً لجماعات التمرد في دارفور، التي يُعتقد أن الغلبة فيها للمجموعات غير العربية، لذا فإن الحكومة تجد نفسها أكثر ميلاً لتقديم المزيد من التنازلات له حتى لا يتحول إلى الطرف الآخر.

تحدث هذه التطورات في وقت يشارك فيه السودان في مفاوضات غاية في الأهمية مع كل من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة بشأن مطالب الخرطوم بسحب قوات عملية حفظ السلام المشتركة في دارفور. ويحاول السودان الضغط باتجاه سحب هذه القوات على أساس مزاعم بأنه قد تمكن بالفعل من السيطرة على الوضع الأمني في دارفور، وهو ادعاء يتناقض مع الواقع الفعلي للوضع الأمني على الأرض حسبما جاء في تقارير البعثة المشتركة وتقارير لجنة خبراء الأمم المتحدة الخاصة بالسودان. ولعله من الحكمة أن ينظر كل من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في التعقيدات المتعددة والمتشابكة فيما يتعلق بالعوامل التي لا تزال تلعب دوراً في تهديد الأوضاع الأمنية للمدنيين في دارفور، بما في ذلك ظهور العديد من الأطراف المسلحة خلال السنوات القليلة السابقة في صورة ميليشيات قَبَلية جنّدتها وسلّحتها الحكومة السودانية وفقدت السيطرة عليها في أوقات لاحقة. كما أن الاقتتال بين هذه المجموعات والهجمات التي تشنها من حين إلى آخر على القوات الحكومية، مثلما هو الحال بالنسبة لـ”مجلس الصحوة الثوري السوداني”، بقيادة موسى هلال، وهذا واقع جديد يشكل في الوقت الراهن أكبر تهديد للأمن في ولايات دارفور الاتحادية الخمس.

ويمكن القول هنا إن لجنة الاتحاد الأفريقي التنفيذية عالية المستوى، المفوضة بالتوسط بين الحكومة وحركات دارفور المسلحة المنضوية تحت لواء “الجبهة الثورية السودانية”، في حاجة إلى أن تأخذ في الاعتبار عند النظر إلى النتائج المترتبة على جهود وساطتها التوتر المتزايد بين حكومة السودان وهذه الأطراف المسلحة المستقلة، كما هو الحال بالنسبة للقوات الجديدة التي يقودها موسى هلال.

انهيار مشروع إجرامي
في حال عودة موسى هلال للانخراط في حملة الحكومة ضد حركات دارفور المسلحة، فإن الخطوة ستكون بمثابة انتصار لمؤيدي السيادة العربية على مستوى دارفور وعلى الصعيد الوطني على حد سواء، حسبما يرى “التجمع العربي”. ففي أكتوبر 1987 أطلقت مجموعة قوامها 27 من الساسة والمفكرين والزعماء القبليين المنتمين لدارفور التجمع العربي في خطاب عام موجّه إلى الصادق المهدي، رئيس الوزراء آنذاك. طالب الموقعون على الخطاب بأدوار سياسية بارزة وأكثر أهمية لعرب دارفور وإلا “في حال استمرار هذا الإهمال للعنصر العربي وعدم السماح لهم بنصيب عادل في الحكومة نخشى من أن يفلت الأمر من أيدي العقلاء إلى أيدي الجهلاء ويحدث ما لا تحمد عقباه.”

كثير وسط هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم “عقلاء”، من بين مؤسسي “التجمع العربي”، شاركوا في تشكيل الأحداث في كل من دارفور وكردفان. فعندما اندلع التمرد في دارفور، في العام 2003، بقيادة ناشطين شباب يتحدرون من أصول قبلية أفريقية قام كثير من قادة “التجمع العربي” بتجنيد أفراد في قبائلهم لمواجهة التمرد، بما في ذلك استخدام موسى هلال في تجنيد وقيادة الجنجويد. وتضمنت الاستراتيجية التي نجحوا في إقناع الحكومة بتبنيها، عمليات عقاب جماعي وعمليات استهدفت اجتثاث القاعدة الاجتماعية للتمرد، وعلى وجه التحديد قبائل الفور والزغاوة والمساليت، وتدمير ثروات هذه القبائل من خلال طرد أفرادها من أراضيهم ونهبت ممتلكاتهم، خصوصاً الأراضي الخصبة والماشية.

نتج عن هذه الاستراتيجية واقع ماثل أمامنا اليوم يتلخص في دفع نحو 2.5 مليون من سكان دارفور إلى الفرار من ديارهم والعيش في معسكرات النزوح على مدى أكثر من 12 عاماً. كما يعيش أيضاً مئات الآلاف غيرهم في معسكرات للاجئين في دول الجوار. هذا بالاضافة علي قتل ما يربو علي 300,000 من أبناء وبنات دافور علي أيدي قوات حكومتهم و مليشياتتها الحليفة حينها وفق تقديرات الامم المتحدة. وما تزال حكومة السودان تقوم بتطبيق هذه الاستراتيجية حتى الآن، وهو ما أكد عليه آخر تقرير للجنة خبراء الأمم المتحدة حول السودان.

إلا أن أعمال التحدي التي يبادر بها “مجلس الصحوة الثوري السوداني” ظلت حتى الآن موجهة صوب حكومة السودان، إذ أن مقاتلي المجلس اشتبكوا مع ميليشيات خاضعة لقيادة القوات المسلحة السودانية. ولكن لا يوجد دليل حتى كتابة هذا التقرير على أي تواطؤ بين موسى هلال والقيادات التي تقف وراء “التجمع العربي”. ولكن من الواضح أن هلال واقع إلى حد كبير تحت تأثير نفس الإحباط العميق الذي يشعر به من يقفون وراء “التجمع العربي”. الخرطوم باتت تستغل من جانبها هذه المشاعر السلبية في سياسات فرّق تسُدْ التي تنتهجها في دارفور، وفي نهاية الأمر انتهت القبائل العربية إلى دفع ثمن باهظ مقابل السماح لشبابها بأن يكونوا وقوداً للاستراتيجية العسكرية لحكومة السودان في دارفور ومناطق النزاع الأخرى في البلاد.

علاقات متقلبة
لم تتدهور العلاقات بين موسى هلال وحكومة السودان بين ليلة وضحاها، لكنها بدأت تتحول إلى الأسوأ بصورة منتظمة، ووصلت إلى أسوأ حالاتها مطلع العام 2015. إذ أن موسى هلال، الزعيم القبلي وقائد الميليشيا الذي تعتبره الأمم المتحدة مجرم حرب، والبرلماني، والمستشار البارز لوزير الشؤون الاتحادية، لا يزال قادراً على تشكيل تحد عسكري أمام الحكومة في حال تجاهلها لمطالبه.

فعقب استيعاب مقاتليه من أفراد ميليشيات الجنجويد في قوات حرس الحدود، عام 2005، رحبت الحكومة بموسى هلال في الخرطوم وكافأته بمنصب سياسي لكسب دعمه في حشد قبائل عرب دارفور وراء استراتيجية مكافحة التمرد، القائمة أصلاً على أسس عرقية، ضد حركات دارفور المتمردة. وحصل هلال على مقعد برلماني في العام 2010 وجرى تعيينه في وقت لاحق مستشاراً بالحكومة الاتحادية.

بعد إدلائه بالعديد من التصريحات العلنية التي انتقد فيها سياسيات حكومة الخرطوم في دارفور ومطالب التغيير التي لم تستجب لها الخرطوم غادر موسى هلال الخرطوم بهدوء منتصف العام 2013 واستقر بمنزله في منطقة مستريحة، شمال غربي ولاية شمال دارفور، حيث نجح في تشكيل قوة قتالية كبيرة من خلال استعادته قيادة غالبية قوات حرس الحدود ونصب أكمنة للوحدات الممانِعة بهدف الاستيلاء على مركباتها وأسلحتها. وكان هلال قد أشار في معرض اللقاء الذي أجرته معه جريدة “التيار” إلى أن غالبية أفراد قوات الحرس الحدود، الذين لا يزالون يتلقون رواتبهم من الحكومة ويخضعون لقيادة القوات المسلحة السودانية، يدينون له هو بالولاء مؤكداً أنهم على استعداد لتلبية أي نداء منه إن دعا الأمر. بمعنا اخر فان الحكومة لا تزال تتكفل بكل احتياجات قوات مقاتله يمكن ان تنقلب عليها باشارة من هلال!

وفي إطار مساعيها لتحجيم هذا النفوذ العسكري المتزايد لموسى هلال، قامت الحكومة أواخر العام 2013 بتعيين أبرز قادة قوات حرس الحدود، محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”، قائداً لـ”قوات الدعم السريع” التي تم تشكيلها حديثاً في ذلك الوقت. وكانت تلك الخطوة قد نجحت في الحيلولة دون انضمام نحو 4000-5000 من أفراد الميليشيات الموالين لحميدتي إلى معسكر موسى هلال. الأمر الأكثر أهمية من ناحية سياسات فرّق تسُدْ التي تنتهجها حكومة السودان هو أن هذه الخطوة نجحت أيضاً في إبراز قائد ميليشيات قوى منافس لموسى هلال، إذ استغلت الحكومة التنافس التاريخي تجاه عشيرة المهارية المتحدرة من قبيلة الرزيقات وعشيرة المحاميد التي يتزعمها موسى هلال.

أعلن هلال عن قيام “مجلس الصحوة الثوري السوداني” في يناير 2014، مؤكداً سيطرته الفعلية على مساحات واسعة من شمال دارفور وأعلن أن هذه المناطق محظورة الدخول بالنسبة للحكومة. وتشتمل هذه المنطقة على محليات كبكابية وكتم والواحة وسرف عمرة. وتحت ظل قيادته، أنشأ “مجلس الصحوة الثوري السوداني” نظاماً مشاركة للسكان المحليين يختارون بموجبه حكامهم، كما قام المجلس أيضاً بإدارة نظام للمحاكم وفرض إتاوات وضرائب على الحركة التجارية في المنطقة.

أشرف موسى هلال أيضاً على سلسلة من مؤتمرات المصالحة القبلية، أبرزها مؤتمر الصلح الذي عُقد بين الأبّالة (رعاة الإبل من شمال دارفور) وبني حسين. وكان نزاعاً قد نشب بين المجموعتين في العام 2013 على السيطرة على مناجم للذهب تم اكتشافها حديثاً في ذلك الوقت بمنطقة جبل عامر الواقعة تحت سيطرة بني حسين، ما أسفر من مصرع نحو 1500 من المقاتلين والمدنيين، غالبيتهم من بني حسين، ونزوح عشرات الآلاف من العاملين في التنقيب عن الذهب. وبالإضافة إلى مؤتمرات الصلح القبلي، قام “مجلس الصحوة الثوري السوداني” بتنظيم دوريات مشتركة بين القبائل المعنية لاستعادة قطعان الماشية المنهوبة، وهو واحد من مجموعة عوامل رئيسية تسبب يوميا في نزاعات قبيلة دموية في كافة مناطق دارفور.

صورة لزعيم حرب تائب: تغيير حقيقي في النوايا أم انتهازية سياسية؟
منذ انشقاقه عن صفوف الحزب الحاكم عام 2013، ظل موسى هلال يظهر بمظهر الحريص على توحيد سكان دارفور بمختلف انتماءاتهم القبلية في مواجهة هيمنة المركز. كما سعى هلال إلى بناء هذه الجسور بوصفه “زعيماً لكل قبائل دارفور العربية”، حسب تصريحه لواحد من الباحثين. وكان هلال قد قال في نفس السياق: “نحن أصحاب أغلبية في الأرض، ونملك أغلبية الماشية، ولن يكون هناك حل من دوننا.”12

وفي الوقت الذي أعلن فيه مسؤوليته عن دوره كزعيم لحشد ميليشيات الجنجويد المسؤولة عن الجرائم والانتهاكات الواسعة النطاق التي حدثت في دارفور خلال عامي 2003 و2004، لا يزال هلال ينكر مسؤوليته الشخصية ومسؤولية القوات الخاضعة لقيادته المباشرة عن عمليات القتل والاغتصاب الجماعي التي حدثت في ذلك الوقت. وفيما يتعلق بتعبئة وحشد القبائل العربية، يزعم هلال أنه عمل كزعيم قبلي بناءاً على طلب حكومة السودان، ويقول أيضاً إن القيادة التكتيكية لعمليات الميليشيات التي ساعد على حشدها كانت في يد ضباط القوات المسلحة السودانية الذين تم نشرهم للإشراف على مقاتلي الميليشيات. وعند سؤاله في المقابلة التي أجرتها معه جريدة “التيار” عن السبب في أن الهجمات استهدفت فحسب القبائل الأفريقية، أجاب هلال بأن القيادة الموحدة لحركة التمرد في دارفور كانت قد أُنشئت في ذلك الوقت على أساس قبلي وهاجمت المجموعات العربية. وقال في هذا السياق: “نحن دافعنا عن المنطقة وعن أهلنا. لذا كان دورنا في مصلحة الحكومة ومكملاً لدورها. كان ذلك أساس التحالف بيننا والمركز.”

لم يوضح هلال ولم توضح الحكومة حتى الآن السبب في أن ردهما على التمرد تجاوز مجرد مواجهة المتمردين إلى الاستهداف العشوائي لملايين السكان العُزّل الذين ينتمون إلى المجموعات القبيلة الأفريقية الرئيسية الثلاث في دارفور.

بعد أن أدرك متأخراً التكلفة المترتبة على أتباعه من جراء استراتيجية الحكومة، وضع هلال مجموعة مطالب سياسية تدعو إلى إجراء إصلاحات واسعة، داعماً هذه المطالب بالتهديد باستخدام القوة. عارضت الحكومة فكرة تقديم تنازلات إزاء أي من المطالب الرئيسية لـ”مجلس الصحوة الثوري السوداني”، إذ أن هذه المطالب في جوهرها مماثلة لمطالب تحالف حركات التمرد بين الحركة الشعبية التحرير السودان-شمال وحركات دارفور المسلحة، تحت راية الجبهة الثورية السودانية، التي سبق أن رفضتها الحكومة. ففي مخاطبة جماهيرية عامة في منتصف مارس بمدينة مليط، شمالي دارفور، تحدث موسى هلال عن المطالب التي تقدم بها للحكومة. وتدور هذه المطالب حول أربعة محاور أو “ملفات” حسبما طرحها “مجلس الصحوة الثوري السوداني”:

1. تستوجب المطالب السياسية تقسيماً حقيقياً وعادلا للسلطات من جانب “المركز” لصالح “الأطراف”، فضلاً عن تمثيل عادل لسكان دارفور في المستويات العليا للسلطة، وعلى وجه التحديد في الوزارات السيادية. ومن ضمن المطالب الرئيسية أيضاً تعيين شخص من دارفور نائباً أول لرئيس البلاد. بدا موسى هلال مصمماً أيضاً على الإبقاء على “مجلس الصحوة الثوري السوداني” ككيان سياسي مستقل أو حزب وليس تفكيكه، حسبما طلبت الحكومة وحزب المؤتمر الوطني الحاكم مقابل الاستجابة للمطالب الأخرى.
2. المطالب الأمنية ذات الصلة بمستقبل مقاتلي موسى هلال ومقاتلي الميليشيات الحكومية الأخرى. يجب أن تستفيد تلك القوات من عملية الدمج في وحدات الجيش الوطني، التي لن يجري تكوينها على أساس قبلي كما هو الحال في الوقت الراهن. يُضاف إلى ذلك، قال موسى هلال إن أبناء القبائل العربية لا يتم قبولهم في كليتي الشرطة والكلية الحربية، وطالب بحصول “أولادنا” وأبناء دارفور الآخرين، شأن غيرهم، على فرص أفضل في الالتحاق بالكليات الأكاديمية والعسكرية لكي تتوفر لهم مستقبلاً فرص عمل في الوظائف العليا في الخدمة المدنية والعسكرية على حد سواء.
3. محور تنموي يتلخص في المطالبة بحقوق متساوية ومنصفة لكل أقاليم السودان الخمسة وفقاً لمساحة كل منها وتعداد السكان فيها. طالب موسى هلال أيضاً بانتهاج التمييز الإيجابي في الأقاليم المهمشة.
4. محور اجتماعي يتلخص فيما أطلق عليه موسى هلال “رتق النسيج الاجتماعي في دارفور”. ويعتبر هلال نفسه مساهماً في هذا المسعى من خلال مؤتمرات الصلح القبلية التي يقودها في المناطق الخاضعة لسيطرة “مجلس الصحوة الثوري السوداني”.

ذهب “مجلس الصحوة الثوري السوداني” إلى أبعد من ذلك في زيادة ضغوطه العسكرية والسياسية على حكومة السودان بهدف حملها على التعامل بصورة جدية فيما يتعلق بالمطالب الأربعة الرئيسية المطروحة. ففي مطلع يوليو 2014 وقّع المجلس على مذكرة تفاهم مع الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال، أدان الطرفان فيها إثارة الحكومة للكراهية القبلية بين السودانيين وتعهّدا بالعمل معاً لإسقاط النظام وإحلال السلام والمصالحة القبلية والتحول الديمقراطي في البلاد. وفي ديسمبر من نفس العام أعلن متحدث باسم موسى هلال تأييد “مجلس الصحوة الثوري السوداني” لنداء السودان، وهو تحالف بين المعارضة السياسية والجبهة الثورية السودانية ومنظمات المجتمع المدني جرى التوقيع عليه في 3 ديسمبر 2014 في أديس أبابا.

وعلى الرغم من أنه يحاول أن يظهر بمظهر المتحدث باسم قبائل دارفور، فإن موسى هلال لم يقدم اعتذاراً أو يعلن مسؤوليته واستعدادات للمحاسبة عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها القوات الخاضعة لقيادته بحق سكان دارفور. لذا، فإن كثيرين ينظرون إلى مناورات موسى هلال السياسية كونها انتهازية سياسية يهدف من خلالها إلى تأمين موقع لنفسه وللجماعات التي يتحدث باسمها في أي تسوية سياسية جديدة يتم التوصل إليها من خلال المساعي الوطنية، مثل “الحوار الوطني” المُضلِّل الذي من المفترض أن يتم التوصل من خلاله إلى حل للأزمة السياسية المزمنة في السودان، والمفاوضات المتعثرة بين حكومة السودان والجبهة الثورية السودانية التي تلعب فيها لجنة الاتحاد الأفريقي التنفيذية عالية المستوى دور الوسيط.

إلى جانب هذه التحركات ذات الدوافع السياسية، يلقي موسى هلال باستمرار باللائمة على الحكومة في تأليب قبائل دارفور ضد بعضها بعضاً. فقد شهدت السنوات القليلة السابقة صدامات عنيفة فيما بين قبائل عرب دارفور بسبب نزاعات محلية. وتصف الحكومة من جانبها هذه الصدامات بأنها نزاعات قبلية تقليدية، على الرغم من أن هذه المواجهات تسببت فيها السياسية الأمنية للحكومة فضلاً عن سياسة “فرِّق تسُدْ” التي تنتهجها بهدف إضعاف القبائل العربية المتحالفة معها حتى لا تكون لديها قوة كافية لمواجهة مصالح وهيمنة النُخب الحاكمة من السودان الشمالي وولايات نهر النيل التي تشكل النواة الرئيسية للنظام الحاكم.
يُضاف إلى ما سبق، أن البيانات والتصريحات الصادرة عن المتحدث باسم “مجلس الصحوة الثوري السوداني” تشير ضمناً إلى إحساس عميق بخيبة الأمل تجاه التعرض للاستغلال من جانب الحكومة ثم التخلي عنهم فيما بعد بدون أن يحصلوا على مقابل لذلك لمصلحة أهلهم، أي قبائل الرحل ذات الأصول العربية في شمال دارفور، التي لا تزال غالبيتها تعاني البؤس والعوز شأنها في ذلك شأن قبائل دارفور ذات الأصول الأفريقية. فقد سبق أن صرح واحد من المتحدثين باسم “مجلس الصحوة الثوري السوداني” قائلاً: “اصحبنا مقاتلين للحكومة لكنها فشلت في توفير الخدمات الأساسية لأهلنا…بعد أن قاتلنا لصالح الحكومة إلى أن أصبحنا نُعرف بالجنجويد، وجدنا أنفسنا خارج ساحة الحوار في الوقت الذي التحقت فيه الجماعات المسلحة بالحكومة…قضيتنا اليوم هي السير في خطى قضية دارفور ومطالب الحركات المسلحة”.

التحول الذي طرأ على خطاب موسى هلال وموقفه تسبب في إحداث ارتباك لدى الكثير من ضحاياه ووسط حركات التمرد في دارفور. إذ أعرب معلّقون عن ارتيابهم في التقارب المتزايد مع “مجلس الصحوة الثوري السوداني”، وأشاروا في هذا السياق إلى أن إقامة تحالفات مع مرتكبي انتهاكات وجرائم جماعية أمر غير أخلاقي، ولكن في نهاية الأمر رجحت كفة الحجج البراغماتية لأصحاب وجهة النظر المقابلة. ففي تطور مفاجئ صدر بيان من عبد الواحد النور، زعيم حركة تحرير السودان وواحد من أقوى المعارضين لإبرام أي اتفاقيات مع الحكومة بسبب جرائم الإبادة التي اقترفتها، أيد فيه اتفاق يناير الذي تم إبرامه بين “مجلس الصحوة الثوري السوداني” والحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال. ومعروف أن عبد الواحد النور دائماً ما يثمّن الاتفاقيات المحلية التي نجح في إبرامها على مدى سنوات بين حركته والقادة المحليين التابعين لموسى هلال.

سيناريوهات مستقبلية محتملة
نجح كل من الحكومة و”مجلس الصحوة الثوري السوداني” في تحاشي حدوث صدام بينهما في مارس الماضي، مثلما حدث في فبراير عندما هدد موسى هلال بالاستقالة من مناصبه الرسمية والوقوف ضد الحكومة. من المحتمل أن تنجح تكتيكات الحكومة لكسب الوقت، مثل محاولات احتواء تبرم موسى هلال ونفاد صبره من خلال زيارات الوفود العالية المستوى وتجديد الوعود، في تحاشي حدوث أسوأ السيناريوهات، لكن هذه التكتيكات ليس من المتوقع أن تنجح إلى ما لا نهاية، لأن وضع اللاحرب واللاسلم الراهن لا يمكن أن يستمر. إذ استباقاً لأي مواجهة قد تكون حتمية، فإن موسى هلال سيواصل العمل على توسيع مناطق نفوذه وتوسيع دائرة تحالفاته السياسية في دارفور مستخدماً تقاليد المصالحات القبلية. سيواصل “مجلس الصحوة الثوري السوداني” من جانبه الحوار والتعاون التكتيكي مع متمردي الجبهة الثورية بهدف الإبقاء على خياراته مفتوحة. أما بالنسبة للنازحين بسبب النزاع في دارفور، والذين يقدر عددهم بنحو 2.5 مليون شخص، لن يضيرهم في شيء تمرد موسى هلال علناً على حكومة السودان، لكن تمرده هذا لن يحل المشكلة الرئيسية المتمثلة في استمرار احتلال أراضيهم بواسطة القبائل العربية أو الميليشيات الغازية التي تحول دون عودتهم إلى مناطقهم. وباختصار، فإن النزاع في دارفور مرشح للدخول في مرحلة جديدة من التعقيدات على المدى القريب، مع استمرار عواقب إنسانية خطيرة.

تحذير إلى لجنة الاتحاد الأفريقي التنفيذية عالية المستوى والمجتمع الدولي
عدم استقرار التحالف السياسي والعسكري بين الحكومة وواحد من أكثر حلفائها وسط القبائل العربية نفوذاً في دارفور يُعتبر بمثابة مؤشر بارز لتذكير كل من لجنة الاتحاد الأفريقي التنفيذية عالية المستوى والمجتمع الدولي على حد سواء بأن الحلول الشاملة لمشاكل السودان كافة هو المخرج الأمثل لإحلال سلام دائم في البلاد. الحكومة لا تزال تصر من جانبها على أن وثيقة الدوحة 2011 للسلام في دارفور يجب أن تظل المرجع الوحيد للمفاوضات مع حركات دارفور المسلحة تحت مسار التفاوض الذي توسطت فيها لجنة الاتحاد الأفريقي التنفيذية عالية المستوى، وهو موقف سبق أن رفضته الحركات المسلحة في محادثات أديس أبابا، في نوفمبر/ديسمبر 2014 مطالبة بطرح حلول للأزمة في دارفور في إطار وطني، وهو نفس ما يطالب به “مجلس الصحوة الثورية السوداني”.
بوصفها إطاراً لحل النزاع في دارفور، فإن وثيقة الدوحة 2011 للسلام في دارفور تعتمد النهج الثنائي بين الحكومة وحركة التحرير والعدالة فيما يتعلق باقتسام السلطة والثروة، خصوصاً في الجزء المتعلق بتدابير الترتيبات الأمنية. هذه النهج الثنائي يتجاهل حقيقة وجود عدد متزايد من الأطراف المسلحة في دارفور، وهي عبارة عن ميليشيات قبلية ساعدت الحكومة على تشكيلها وخرجت في وقت لاحق عن نطاق سيطرتها. من المرجح أن تلجأ هذه الميليشيات إلى زعزعة الأوضاع في حال تركها خارج دائرة الترتيبات الأمنية التي تهدف إلى إنهاء النزاع بين الحكومة وحركات التمرد في دارفور. ولعل “مجلس الصحوة الثوري السوداني” أبرز النماذج هذا النوع من الميليشيات المستقلة، والوحيد الذي طرح برنامجاً سياسيا.

ربما لا يحتاج الرءيس أمبكي و لجنة الاتحاد الأفريقي التنفيذية عالية المستوى إلى الذهاب بعيداً للعثور على مداخل تساعد على معالجة النزاع في دارفور وأسبابه الجذرية على المستوى الوطني. إذ أن لجنة الاتحاد الأفريقي عالية المستوى لدارفور، و التي ترأسها ثابو امبيكي أيضاً في 2009، أكدت على أن أي حل شامل ودائم للنزاع في دارفور يستوجب إصلاحات مؤسسية وقانونية شاملة على مستوى البلاد كمنهج وحيد لإنهاء مشاكل دارفور والسودان على حد سواء بصورة دائمة. ودون الرجوع لذلك الخيار فعلي دارفور التي نعرفها السلام.

هذه الورقة هي الأولى في سلسلة أوراق تلقي الضوء على الأوضاع الأمنية في دارفور من اعداد المجموعة السودانية للديمقراطية اولاً. بقية الأوراق، التي سيتم نشرها لاحقاً، ستتناول حروب دارفور القبلية وقوات الدعم السريع. ويمكن الاطلاع على النسخة الاصلية على موقع المجموعة http://www.arabic.democracyfirstgroup.org/

Leave a Reply

Your email address will not be published.